report at albalad

طموحون، ولكن...


ألأسباب التي تدفع بروح اللبناني إلى الإنهيار أصبحت كثيرة! بناة الوطن، شباب لبنان يعيشون حالة كآبة، إذ أنهم يبحثون باستمرار عن مستقبل غير مضمون ويجاهدون نحو مصير ضائع.

التعلّم والعمل

منذ نشأتنا، يكررون لنا: "لا تحملوا بطيختين في يد واحدة"، ليشرحوا لنا مدى أهميّة تقسيم وقتنا وتسخيره نحو النجاح بخطى ثابتة.
ولكن هل نستطيع، في وضعنا الإقتصادي القائم، أن نركّز نشاطنا على جامعتنا واختصاصنا فقط ؟

تؤكد رنا، طالبة سنة رابعة في كليّة العلوم – الفرع الثاني، أنها بعد أن اعتادت الإتكال على نفسها في تأمين مصاريفها، أصبح من الصعب عليها التخلّي عن عملها في أحد المطاعم. والمشكلة أنها مجبرة الالتزام بدوام العمل لذلك فعي تتغيّب عن كل حصص المساء في جامعتها.
حالة رنا هي في الواقع مثل واضح عن أوضاع التلاميذ العاملين، أكانوا طلاب جامعات خاصة أم رسميّة.

قد تكون المشكلة أقل وطأة على طلاّب الجامعات الخاصة التي تتّبع نظام الحصص (credit) بتفاصيله كافّة.
"ليال" طالبة في جامعة خاصة وهي تسخّر طاقة فائقة في خدمة طموحها، ومن المؤكد أن ذلك يسبب لها الإرهاق، إلا أنّ سهولة اختيار موادها وأخذ الحدّ الأدنى منها (minimum credits) تشكّل نقطة جيّدة بالنسبة لها، بحيث استطاعت الاستمرار بعملها مع جامعتها.

أما طلاّب الجامعة اللبنانيّة فوضعهم أكثر تعقيدا:
في مقابلة مع مدير جامعة العلوم – الفرع الثاني، الدكتور جورج الرحباني، أكّد لنا الصعوبة التي يواجهها طلاب هذه الجامعة.

مع أن كليّة العلوم هي كليّة نظريّة والحضور فيها ليس ملزما، إلا أن الحصص تتضمّن مواد تطبيقيّة لا يمكن للطالب التغيّب عنها أكثر من مرّتين وٳلا اعتُبر راسبا في المادّة .
كما، في السنتين الأولى والثانية، لا يمكن للطالب أن يوزع مواده وامتحاناته في دورتين لأنه لا يُسمح التقدم بالدورة الثانية في مادة معيّنة الا لمن نال 30\100 في المادة ذاتها في الدورة.
يعترف الدكتور الرحباني متأسفا بالأزمة التي يمر بها طلاب الجامعة، فهم منتمين لطبقة متوسطة، مضطرين للعمل من أجل تأمين سكنهم بقرب الجامعة، فضلا عن مصاريفهم اليوميّة. ومع ذلك فالنظام الجامعي لا يسمح بالكثير من التساهل مع هؤلاء الطلاب.
ونظام الLMD يزيد الصعوبة من جهة التضييق على التلامذة، وصعوبته الوحيدة تكمن في إمكانية اختيار في السنتين الثالثة والرابعة وتوزيعها على عدّة فصول.

أغلب كلّيات الجامعة اللبنانية بصدد تحويل مناهجها تبعا لمبدأ الحصص (LMD) إلا أن تطبيق هذا النظام بالشكل الصحيح يصطدم بالكثير من المعضلات، ومنها القوانين الخاصة بكل كلّية أو كل فرع، وتقصير رئاسة الجامعة من ناحية تعميم قوانين موحّدة ومنع تحريفها والتصرّف بها.


بين الطموح والواقع

طالب خاض محاولات عدة ليحصل على عمل في اختصاصه،سألناه عن محاولاته فربطها بمبدأ "الشطارة": إما الرشوة، إما الواسطة، أو البطالة الدائمة.
تخلق هذه الفكرة حالة إحباط مزمنة لدى الشباب المتخصصين.
وأكثر عندما يقارن الشاب بين عمله الجزئي في أحد المطاعم أم المحلاّت، والآخر الذي يحلم بالحصول عليه، ويجد أنه في الحالتين سوف يبقى في الحد الأدنى، فان هذا قد يخلق في نفسه التراخي من جهة السعي نحو الإختصاص، وتفضيل العمل بالدوام الجزئي الذي قد يكون أسهل أو أقرب أو على الأقل اعتاد عليه.

ظاهرة اليأس من الإختصاص ليست بالفعل معممة والحديث عنها نادر، والطلاب ما زالوا لا يعترفون بسهولة بقلّة فائدة تعلّمهم، بالعكس فهم يدافعون عن العلم وفوائده أينما وجدوا.
لكن من يراقب مجتمعات الشباب، ويرى أنهم قابعين قي أماكنهم، خائفين من التغيير، وحتّى أنهم يطمحون إلى الترقية حيث هم، يدرك أن العلم يصبح أكثر فأكثر خيارا ثانيا في لبنان، والأهميّة التي يوليها له الطلاب بدأت تتراجع وستستمر في ذلك، إلا في حال عادت ثقتهم ببلدهم وبمستقبلهم على أرضه.




الطموح في خدمة البلد... الآخر

ورث الشباب اللبناني الشخصيّة الطامحة من أجداده. وصحيح أن من طلب العلى سهر الليالي، فحلمنا بالعلا يجعلنا نقبل بكل ما يخدم هذا الحلم حتى ولو كان أدنى بكثير من توقّعاتنا.

حفرون ونفرون أسطورة فينيقية تنتهي بمأساة، ما زالت حتى اليوم تعبّر عن واقع كل لبناني.
بعد وفاة أمهما، بقي حفرون على الجبل الذي ولد فيه، يحفر ويكدّ لتأمين استمراريته، إلا أن الطبيعة غلبته وقضى مطمورا في الثلج على الصخرة التي ما زالت تحمل اسمه في جبيل. أما نفرون فهاجر يجوب الأرض بحثا عن مستقبله وتاه في العالم حتى انطوى في ذاكرة النسيان.
خوفنا الأكبر في لبنان أن نبقى ممزّقين بين إرادة البقاء ونزعة الإغتراب.
وضع بلدنا يزرع في قلوبنا الخوف، ونتخيّل أنفسنا نحارب ما هو أقوى منّا وما قد يغلبنا ويميتنا في أية لحظة.
من جهة أخرى، تبهرنا أضواء الأمل الآتية من الخارج، لكننا في النهاية نتشبّه بالبزاقة التي تمدّ قرنيها باحثة عن الطمأنينة والفرح وما تلبث أن تصطدم بغرائب العالم وشروره حتى تعود وتتقوقع مختبئة في بيتها.
إلى متى سنبقى نحن، شباب لبنان الأخضر والأرز الأبيّ، معلّقين مستقبلنا بين تعبيريّ: "أنا باقي" و"أنا فالل".

report at albalad (2)

طلاب الجامعات يقدّسون السهرات
وسهرة السبت... "فشّة الخلق"


يقضي نهار الأحد مع العائلة، ومن الإثنين إلى الجمعة لا ينفك يسعى جاهداً ليستيقظ باكراً ويذهب إلى جامعته، ويحلّ همومه اليومية... لكن السبت يختلف عن باقي أيام الأسبوع، وها هو لا ينتظر من هذا النهار سوى ليله.
سهرة السبت عند الطالب الجامعي اللبناني "مقدّسة".


رنا كرم

أوضاعي الماليّة إلى انحدار، وسعيي إلى تأمين مدخول يكفيني، دون نتيجة، أشعر أن أيام الأسبوع معاناة طويلة بين الدرس والعمل. إلى أن يأتي نهار الشبت وتأتي معه "فشّة الخلق".

فشّة الخلق
يسعى كل إنسان بعد أسبوع عمل شاق للترفيه عن نفسه. ولعلّ ليلة السبت في لبنان خير دليل على حاجة الناس إلى التغيير.
لم نعد نفاجأ لدى رؤية الطرقات والملاهي والمقاهي مزدحمة بطلاب الجامعات، الذين لا تتعدى أعمارهم ال25، ونراهم في قمّة الحماس، أصدقاء، أقرباء، متحابين...في السيارات، على الأرصفة، في البيوت، يضيئون الساحات ويوقظون الدنيا بضجيجهم، باحثين عما سمّاه أغلبهم "فشّة الخلق".
فأين يسهر طلاّب لبنان، ذوي المدخول المحدود، وأسرى الهواجس الماديّة الدائمة.

سهرات البيوت: مثاليّة للتوفير
يشرح عمر، طالب في الجامعة اللبنانيّة عن تحوّل سهراته من الملاهي إلى البيوت.
كنّا، أصدقائي وأنا، نذهب كل ليلة سبت إلى أحد الملاهي في وسط المدينة أو في منطقة البترون أو الكسليك. ومع الوقت بدأت سهراتنا تتشابه ومدخولنا ينحصر، فابتكرنا فكرة السهرات في البيوت، حيث نتمتّع بأجواءنا الخاصّة ولا نخجل بإمكانياتنا المتواضعة.
"عالقليلة منسمع على بعض" يتدخل ايلي، طالب في جامعة خاصّة. ليلة السبت أصبحت مشهورة بالإزدحام والضّجة وكثرة الناس، وبالتالي فالساهرين معرّضين للمشاكل والحوادث وإفساد أجواء المرح. ويضيف ايلي أن سهرات البيوت أصبحت منظّمة وتجري مداورةً، كل أسبوع عند أحد الأصدقاء.

لا غنى عن الملاهي والمقاهي
رغم تحوّل بعض مجموعات الشباب إلى السهرات الخاصّة، لكن ما زال للملاهي الليلية روّادها الأوفياء، الذين لا يستلذون إلا في أجواء الموسيقى الصاخبة والرقص المجنون حتى ساعات الفجر الأولى.
يروي أغلب أصحاب العلب الليلية في وسط مدينة بيروت أن الحجوزات لسهرة السبت تبدأ من أوّل الأسبوع، ونادراً ما يبقى أمكنة شاغرة ابتداءا من مساء الجمعة.
وبما أن أرباح الملاهي تتكّل بأغلبها على ليلة السبت، يسعى أصحاب هذه الأمكنة لتأمين برامج ترفيه تستقطب الزبائن، بحيث لا تكتمل السهرة بدون الشمبانيا والone man show المعروف، والDG البارع.




الروشة والمارينا: ترفيه... أم إفراط في الترفيه؟
اعتادت أرصفة الروشة وكورنيش المارينا الإمتناع عن النوم في ليالي السبت الصيفيّة، فهي تحتمل أصوات الشباب المرتفعة وموسيقاهم على أنواعها. حتّى أنها تستوعب لحظات جنونهم وتشاركهم أوقاتهم الرومنسيّة.
أما ما تبقى من كلام مريب، وما رافقه من علامات استفهام حول حقيقة تصرّفات الشباب وتماديهم في حميميتهم، فقد فضّل كثيرون رميه في صدر البحر الرحب والكاتم للأسرار.

يؤكد طلاب الجامعات، يوما بعد يوم، مدى إصرار الشاب اللبناني على تخطّي المصاعب والتعبير عن تعلّقه بالحياة بمعانيها كافّة.
يتخطّون الضيقات الإقتصاديّة، يجاهدون ويتعاونون لقهر الفقر وإيجاد منفذ للتسلية ونسيان الهموم.
ولكن ماذا عن الأوضاع الأمنية؟ هل يستطيع الطالب تخطّي خوفه وخوف أهله وتجاهل الأخطار المهدّدة لكل خطوة يقوم بها؟ هل يمكن، في ظل الوضع الأمني المتردّي، المحافظة على برودة الأعصاب والإبقاء طويلا على الوتيرة نفسها، دون الشعور بالريبة أو المسؤوليّة؟

No posts.
No posts.